فصل: تفسير الآيات (24- 27):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (24- 27):

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)}
{أم} هذه أيضاً منقطعة مضمنة إضراباً عن كلام متقدم وتقريراً على هذه المقالة منهم.
وقوله تعالى: {فإن يشأ الله يختم} معناه في قول قتادة وفرقة من المفسرين: ينسيك القرآن، والمراد الرد على مقالة الكفار وبيان إبطالها، وذلك كأنه يقول: وكيف يصح أن تكون مفترياً وأنت من الله بمرأى ومسمع، وهو قادر لو شاء على أن يختم على قلبك فلا تعقل ولا تنطق ولا يستمر افتراؤك، فمقصد اللفظ هذا المعنى وحذف ما يدل عليه الظاهر اختصاراً واقتصاراً. وقال مجاهد في كتاب الثعلبي وغيره، المعنى: {فإن يشأ الله يختم على قلبك} بالصبر لأذى الكفار ويربط عليه بالجلد، فهذا تأويل لا يتضمن الرد على مقالتهم.
وقوله تعالى: {ويمح} فعل مستقبل خبر من الله أنه يمحو الباطل ولابد إما في الدنيا وإما في الآخرة، وهذا بحسب نازلة. وكتبت {يمح} في المصحف بحاء مرسلة كما كتبوا: {ويدع الإنسان} [الإسراء: 11] إلى غير ذلك مما ذهبوا فيه إلى الحذف والاختصار.
وقوله: {بكلماته} معناه: بما سبق في قديم علمه وإرادته من كون الأشياء بالكلمات المعاني القائمة التي لا تبديل لها.
وقوله تعالى: {إنه عليم بذات الصدور} خبر مضمنه وعيد. ثم ذكر النعمة في تفضله بقبول التوبة عن عباده، وقبول التوبة فيما يستأنف العبد من زمنه وأعماله مقطوع به بهذه الآية، وأما ما سلف من أعماله فينقسم: فأما التوبة من الكفر فماحية كل ما تقدمها من مظالم العباد الفانية، وأما التوبة من المعاصي فلأهل السنة قولان، هل تذهب المعاصي السالفة للعبد بينه وبين خالقه؟ فقالت فرقة: هي مذهبة لها، وقالت فرقة: هي في مشيئة الله تعالى، وأجمعوا على أنها لا تذهب مظالم العباد.
وحقيقة التوبة: الإقلاع عن المعاصي والإقبال والرجوع إلى الطاعات، ويلزمها الندم على ما فات، والعزم على ملازمة الخيرات. وقال سري السقطي: والتوبة: العزم على ترك الذنوب، والإقبال بالقلب إلى علام الغيوب. وقال يحيى بن معاذ: التائب من كسر شبابه على رأسه وكسر الدنيا على رأس الشيطان ولزم الفطام حتى أتاه الحمام.
وقوله تعالى: {عن عباده} بمعنى: من عباده، وكأنه قال: التوبة الصادرة عن عباده.
وقرأ جمهور القراء والأعرج وأبو جعفر والجحدري وقتادة: {يفعلون} بالياء على الكناية عن غائب. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وابن مسعود وعلقمة: {تفعلون} بالتاء على المخاطبة، وفي الآية توعد.
وقوله تعالى: {ويستجيب} قال الزجاج وغيره معناه: يجيب، والعرب تقول: أجاب واستجاب بمعنى ومنه قول الشاعر [كعب بن سعد الغنوي]: [الطويل]
وداع دعا يا من يجيب الندا ** فلم يستجبه عند ذاك مجيب

و: {الذين} على هذاا لقول مفعول ب {يستجيب}، وروي هذا المعنى عن معاذ بن جبل ونحوه عن ابن عباس، وقالت فرقة المعنى: ويستدعي الذين آمنوا الإجابة من ربهم بالأعمال الصالحة.
ودل قوله: {ويزيدهم من فضله} على أن المعنى فيجيبهم، وحملت هذه الفرقة استجاب على المعهود من باب استفعل، أي طلب الشيء. و: {الذين} على هذا القول فاعل ب {يستجيب}. وقالت فرقة: المعنى ويجيب المؤمنون ربهم، ف {الذين}: فاعل بمعنى يجيبون دعوة شرعه ورسالته. والزيادة من فضله: هي تضعيف الحسنات، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هي قبول الشفعات في المذنبين والرضوان».
وقوله تعالى: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض} قال عمرو بن حريث وغيره إنها نزلت لأن قوماً من أهل الصفة طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغنيهم الله ويبسط لهم الأموال والأرزاق، فأعلمهم الله تعالى أنه لو جاء الرزق على اختيار البشر واقتراحهم لكان سبب بغيهم وإفسادهم، ولكنه تعالى أعلم بالمصلحة في كل أحد، وله بعبيده خبرة وبصر بأخلاقهم ومصالحهم، فهو ينزل لهم من الرزق القدر الذي به صلاحهم، فرب إنسان لا يصلح وتكتف عاديته إلا بالفقر وآخر بالغنى. وروى أنس بن مالك في هذا المعنى التقسم حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال أنس: اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى، فلا تفقرني. وقال خباب بن الأرتّ: فينا نزلت: {ولو بسط الله الرزق} الآية، لأنا نظرنا إلى أموال بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع فتمنيناها فنزلت الآية.

.تفسير الآيات (28- 33):

{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)}
هذه تعديد نعمة الله تعالى الدالة على وحدانيته، وأنه الإله الذي يستحق أن يعبد دون سواه من الأنداد.
وقرأ {يُنَزِّل} مثقلة جمهور القراء، وقرأها {يُنْزِل} مخففة ابن وثاب والأعمش، ورويت عن أبي عمرو، ورجحها أبو حاتم، وقرأ جمهور الناس: {قنَطوا} بفتح النون، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش: بكسر النون، وقد تقدم ذكرها وهما لغتان: قنَط، وقنِط، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل له: أجدبت الأرض وقنط الناس، فقال: مطروا إذاً، بمعنى أن الفرج عند الشدة، واختلف المتأولون في قوله تعالى: {وينشر رحمته} فقالت فرقة: أراد بالرحمة المطر، وعدد النعمة بعينها بلفظتين: الثاني منهما يؤكد الأول. وقالت فرقة: الرحمة في هذا الموضع الشمس، فذلك تعديد نعمة غير الأولى، وذلك أن المطر إذا ألم بعد القنط حسن موقعه، فإذا دام سئم، فتجيء الشمس بعده عظيمة الموضع.
وقوله تعالى: {وهو الولي الحميد} أي من هذه أفعاله فهو الذي ينفع إذا والى وتحمد أفعاله ونعمه، لا كالذي لا يضر ولا ينفع من أوثانكم. ثم ذكر تعالى الآية الكبرى، الصنعة الدالة على الصانع، وذلك {خلق السماوات والأرض}.
وقوله تعالى: {وما بث فيهما} يتخرج على وجوه، منها أن يريد إحداهما فيذكر الاثنين كما قال: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [الرحمن: 22] وذلك إنما يخرج من الملح وحده، ومنها أن يكون تعالى قد خلق السماوات وبث دواب لا نعلمها نحن، ومنها أن يريد الحيوانات التي توجد في السحاب، وقد يقع أحياناً كالضفادع ونحوها، فإن السحاب داخل في اسم السماء. وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال في تفسير: {وما بث فيهما من دابة} هم الناس والملائكة، وبعيد غير جار على عرف اللغة أن تقع الدابة على الملائكة.
وقوله تعالى: {وهو على جمعهم} يريد القيامة عند الحشر من القبور وقوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة} قرأ جمهور القراء: {فبما} بفاء، وكذلك هي في جل المصاحف. وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر وشيبة: {بما} دون فاء. وحكى الزجاج أن أبا جعفر وحده من المدنيين أثبت الفاء. قال أبو علي الفارسي: {أصاب}، من قوله: {وما أصاب} يحتمل أن يكون في موضع جزم، وتكون {ما} شرطية، وعلى هذا لا يجوز حذف الفاء عند سيبويه، وجوز حذفها أبو الحسن الأخفش وبعض البغداديين على أنها مرادة في المعنى، ويحتمل أن يكون {أصاب} صلة لما، وتكون {ما} بمعنى الذي، وعلى هذا يتجه حذف الفاء وثبوتها، لكن معنى الكلام مع ثبوتها التلازم، أي لولا كسبكم ما أصابتكم مصيبة، والمصيبة إنما هي بسبب كسب الأيدي، ومعنى الكلام مع حذفها يجوز أن يكون التلازم، ويجوز أن يعرى منه، وأما في هذه الآية فالتلازم مطرد مع الثبوت والحذف.
وأما معنى الآية فاختلف الناس فيه، فقالت فرقة: هي إخبار من الله تعالى بأن الرزايا والمصائب في الدنيا إنما هي مجازاة من الله تعالى على ذنوب المرء وخطاياه، وأن الله تعالى يعفو عن كثير فلا يعاقب عليه بمصيبة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر» وقال عمران بن حصين وقد سئل عن مرضه إن أحبه إلي أحبه إلى الله، وهذا بما كسبت يداي، وعفو ربي كثير. وقال مرة الهمداني: رأيت على ظهر كف شريح قرحة فقلت ما هذا؟ قال هذا بما كسبت يدي {ويعفو عن كثير}، وقيل لأبي سليمان الداراني: ما بال الفضلاء لا يلومون من أساء إليهم؟ فقال لأنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي ابتلاهم بذنوبهم. وروي عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله أكرم من أن يثني على عبده العقوبة إذا أصابته في الدنيا بما كسبت يداه». وقال الحسن بن أبي الحسن، معنى الآية في الحدود: أي ما أصابكم من حد من حدود الله، وتلك مصائب تنزل بشخص الإنسان ونفسه، فإنما هي بكسب أيديكم {ويعفو عن كثير}، فستره على العبد حتى لا يحد عليه. ثم أخبر عن قصور ابن آدم وضعفه وأنه في قبضة القدرة، لا يعجز طلب ربه، ولا يمكنه الفرار منه و{الجواري} جمع جارية، وهي السفينة.
وقرأ: {الجواري} بالياء نافع وعاصم وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة، ومنهم من أثبتها في الوصل ووقف على الراء. وقرأ أيضاً عاصم بحذف الياء في وصل ووقف. وقال أبو حاتم: نحن نثبتها في كل حال.
و: الأعلام الجبال، ومنه قول الخنساء: [البسيط]
وإن صخراً لتأتم الهداة به ** كأنه علم في رأسه نار

ومنه المثل: إذا قطعن علماً بدا علم فجري السفن في الماء آية عظيمة، وتسخير الريح لذلك نعمة منه تعالى، وهو تعالى لو شاء أن يديم سكون الريح عنها لركدت أي أقامت وقرت ولم يتم منها غرض.
وقرأ أبو عمرو وعاصم {الريح} واحدة. وقرأ: {الرياح} نافع وابن كثير والحسن.
وقرأ الجمهور: {فيظلَلن} بفتح اللام. وقرأ قتادة: {فيظلِلن} بكسر اللام.
وباقي الآية فيه الموعظة وتشريف الصبار الشكور بالتخصيص، والصبر والشكر فيهما الخير كله، ولا يكونان إلا في عالم.

.تفسير الآيات (34- 38):

{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)}
أوبقت الرجل إذا أنشبته في أمر يهلك فيه، فالإيباق في السفن هو تغريقها، والضمير في: {كسبوا} هو لركابها من البشر، أي بذنوب البشر. ثم ذكر تعالى ثانية: {ويعف عن كثير} مبالغة وإيضاحاً.
وقرأ نافع وابن عامر والأعرج وأبو جعفر وشيبة: {ويعلمُ} بالرفع على القطع والاستئناف، وحسن ذلك إذا جاء بعد الجزاء. وقرأ الباقون والجمهور: {ويعلمَ} بالنصب على تقدير: أن، وهذه الواو نحو التي يسميها الكوفيون واو الصرف، لأن حقيقة واو الصرف هي التي يريد بها عطف فعل على اسم، فيقدر أن لتكون مع الفعل بتأويل المصدر فيحسن عطفه على اسم، وذلك نحو قول الشاعر: [الطويل]
تقضي لبانات ويسأم سائم

فكأنه أراد: وسآمة سائم، فقدر: وأن يسأم لتكون ذلك بتأويل المصدر الذي هو سآمة قال أبو علي: حسن النصب إذ كان قبله شرط وجزاء، وكل واحد منهما غير واجب وقوله تعالى: {ما لهم من محيص} هو معلموهم الذي أراد أن يعلمه المجادلون في آياته عز وجل. والمحيص: المنجي وموضوع الروغان، يقال حاص إذا راغ، وفي حديث هرقل: فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، ثم وعظ تعالى عباده وحقر عندهم أمر الدنيا وشأنها ورغبهم فيما عنده من نعيمهم والمنزلة الرفيعة لديه، وعظم قدر ذلك في قوله: {فما أوتيتم} الآية.
وقوله: {والذين يجتنبون} عطف على قوله: {الذين آمنوا}. وقرأ جمهور الناس: {كبائر} على الجمع. قال الحسن: هي كل ما توعد فيه بالنار. وقال الضحاك: أو كان فيه حد من الحدود. وقال ابن مسعود: الكبائر من أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين آية. وقال علي وابن عباس: هي كل ما ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم: {كبير} على الإفراد الذي هو اسم الجنس. وقال ابن عباس: كبير الإثم: هو الشرك. {والفواحش} قال السدي: الزنا. وقال مقاتل: موجبات الحدود، ويحتمل أن يكون كبير اسم جنس بمعنى كبائر، فتدخل موبقات السبع على ما قد تفسر من أمرها في غير هذه.
وقوله تعالى: {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} حض على كسر الغضب والتدرب في إطفائه، إذ هو جمهرة من جهنم وباب من أبوابها، وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: «لا تغضب»، قال: زدني، قال: «لا تغضب». قال: زدني: قال: «لا تغضب ومن جاهد هذا العارض من نفسه حتى غلبه فقد كفي هماً عظيماً في دنياه وآخرته».
وقوله تعالى: {والذين استجابوا} مدح لكل من آمن بالله وقبل شرعه، ومدح تعالى القوم الذين أمرهم شورى بينهم، لأن في ذلك اجتماع الكلمة والتحاب واتصال الأيدي والتعاضد على الخير، وفي الحديث: «ما تشاور قوم إلا هدوا لأحسن ما بحضرتهم».
وقوله: {ومما رزقناهم ينفقون} معناه في سبيل الله وبرسم الشرع وعلى حدوده، وفي القوام الذي مدحه تعالى في غير هذه الآية. وقال ابن زيد قوله تعالى: {والذين استجابوا لربهم} الآية نزلت في الأنصار، والظاهر أن الله تعالى مدح كل من اتصف بهذه الصفة كائناً من كان، وهل حصل الأنصار في هذه الصفة إلا بعد سبق المهاجرين لها رضي الله تعالى عن جميعهم بمنه.